ظل الفناء على مدار آلاف السنين الجوهرة المكنونة في القصور القديمة، كما ظل لأكثر من ألف عام السمة الرئيسية لفنون العمارة العربية الإسلامية. ولقد عكست المساحات الداخلية المفتوحة، تلك السمة الثابتة في فن العمارة الإسلامية، مفهوم "الساحات الداخلية المكشوفة" التي نلاحظها اليوم في فن العمارة الحديثة؛ الأمر الذي شكل صلة وثيقة بينه وبين ذلك الطموح نحو التعلم اللامحدود وإثراء العقل البشري.
وسعياً لإبراز هذه التقاليد المعمارية، حافظ المجمّع الثقافي على فكرة الفناء كأحد النقاط المحورية الرئيسية. يعيد تصميم البناء إلى الأذهان القصور الإسلامية التي يمكن للزائر أن يُعرّج عليها من خلال مجموعة من الأفنية والمداخل قبل أن يصل إلى عرش الملك.
يوفر فناء المجمّع الثقافي مساحة واسعة مريحة إلى جانب ممشىً مقوّس ورواق يأخذ الزائر إلى الأجزاء الداخلية منه، والتي صمّمت على طراز فني حقيقي يتبع مفهوم "الساحات الداخلية المكشوفة". وتطورت هذه النقلة بصورة كبيرة من خلال المعالجة الإبداعية للضوء والظل التي تمثل مقدمة مثيرة للاهتمام لموقع يجمع الثقافة والفن.
وتعكس ساحة المجمّع فن العمارة الإسلامية من خلال مفهوم أكثر عمقاً، وهو مفهوم الفناء، تلك الساحة المسرحية المخصصة للقاءات الاجتماعية الشعبية التي تخلق جواً من الترقب كما هو الحال في الفناء الخارجي. وكذلك الحال بالنسبة للفناء الثاني بسوره الواقع في قلب المبنى (والذي يستخدم كصالة معارض)، والذي يُعرف بالصحن، تلك المساحة الخاصة التي ترتكز على مبدأ إثراء العقل والفكر.
تعمل أفنية المجمّع الثقافي التي أطلق عليها أحد مهندسي مجموعة المعماريين التعاونيين اسم "البيت الدهليزي" كخزانات للهواء البارد الذي يمر عبر أروقة أنيقة إلى الردهات الداخلية. وتنسجم الأرضيات الملونة في جمال وبهاء مع المساحات الداخلية لتضفي جواً من التناغم، بينما تسهم الألوان الهادئة للجدران في تلطيف الأجواء الداخلية.
أما الأرضيات فتعكس عظمة الحاضر والماضي مع تلك الأشكال المربعة الحديثة الموضوعة بدقة مع أشكال النجوم وشكل النجمة الثمانية التي تؤكد على تراث أبوظبي الإسلامي. ويتكرر هذا الشكل في الأجزاء النباتية التي تتخذ شكل النجمة والمساحات الخضراء الصغيرة التي تتخذ الشكل ذاته حول النافورة وكذلك في العمل الفني الخشبي المركب داخل المبنى.
وكما تروي المياه الأرض الظمأى، يروي الفن والتراث الروح العطشى. صُمّم الفناء الرئيسي للمجمع الثقافي من الناحية الفنية ليجذب الزائر إلى الداخل من خلال أعمال تُولّد شعوراً بالترقب لما هو أكثر من ساحة معمارية مفتوحة. تبدأ الفكرة من خلال جذب الزائر حسياً وعقلياً للدخول إلى تلك الأجزاء الغنية فنياً وعقلياً. وبينما تمثل نافورة الفناء المائلة حالة رمزية، تشير حركة المياه إلى ديناميات الحياة، كما ترمز المياه إلى موسيقى الطبيعة التي تُلطّف صخب المدينة وضجيجها، وإلى جانب ذلك تمثل المياه مرآة تعكس فنون العمارة المحيطة والحالة الفردية التي تأخذ الزائر إلى حيث العالم المحيط، وخاصة النافورة كسمة تتكرر في أجزاء أخرى من المبنى كالرواق الموجود في المنتصف والفناء الشرقي. ولقد أزيلت هذه الأشياء لاحقاً بعدما توسعت أنشطة المجمّع بالرغم من إعادة استكشاف نوافير الفناء الغربي خلال مشروع الصيانة لتعود مرة أخرى بشكل رمزي.