1971: ميلاد أمة ورؤية جديدة للمستقبل.
انطلاقاً من رؤية تدرك أن العالم يتغير، وأعين ترقب المستقبل في شغف، حرص المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ البداية على مشاركة الإمارات العربية المتحدة في حوار ثقافي مع المجتمع الدولي، وترسيخ مكانة الدولة كملتقى للثقافات المختلفة في إطار توجُّه يبرز انفتاحها على ثقافة التسامح والضيافة.
والتزاماً منها بهذه الرؤية الرامية إلى خلق بيئة ملائمة تعمل على الارتقاء بالعقول التي تتواصل مع العالم، أصدرت قيادتنا الحكيمة في عام 1971 قانوناً بإنشاء مؤسسة ثقافية تهدف إلى رعاية تراث وفنون هذه الأمة سريعة التطور.
وقد أصدر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان توجيهاته بإنشاء مؤسسة ثقافية حديثة تكون أحد الركائز الأساسية لمجتمع الدولة الناشئة. استشرف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ضرورة وجود مؤسسة تكون محوراً للصحوة الثقافية وبداية انطلاقة من عاصمة الدولة الجديدة أبوظبي ومنها إلى جميع أنحاء البلاد، بل ويتعدى تأثيرها حدود الوطن لتبلغ العالم أجمع. وبمرور الوقت، اتسع نطاق هذا المفهوم ليشمل حماية تراث هذه الأمة وتعزيز قيمها الثقافية لتصبح مورداً تنهل منه أجيال المستقبل.
ومن هذا المنطلق، أصبح هدف هذه المؤسسة الثقافية إحياء المواهب الفنية في الأمة وتحفيز النبوغ الفكري. وكان لهذه النهضة الثقافية التي تشع من أبوظبي على جميع أنحاء الدولة والعالم أبلغ الأثر في انتشار اسم الإمارات العربية المتحدة في أرجاء العالم الذي أصبحت تسوده روح الحداثة. وفي عام 1973، أُطلِقت مسابقة دولية لابتكار تصميم معماري يجسد رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إنشاء منصة تنطلق منها المبادرات الثقافية والفنية وتكون معلماً وطنياً يرتكز على قناعاته الإسلامية والعربية، ويندفع بتطلعاته نحو الحداثة والتقدم.
أُسند التصميم لمجموعة المعماريين التعاونيين (تاك) التي أسسها فالتر غروبيوس، المهندس المعماري ومؤسس باوهاوس، وضم ثلاثة طوابق وساحة مركزية، بينما عكف فريق عالمي على التصاميم التفصيلية للمشروع، وكان المصمم والمعماري العراقي الشاب هشام أشكري، الذي كان يعمل مع لويس ماكميلين أحد مهندسي مجموعة المعماريين التعاونيين (تاك) المسؤولة عن المشروع. تخرج هشام أشكري في جامعة بغداد وتتلمذ على يد عدد من المهندسين المعماريين العراقيين البارزين، من بينهم محمد مكية وهشام منير، كما تأثر بعدد من المهندسين المعماريين العالميين، مثل: لويس كان، مارسيل بروير، لو كوربوزييه وفالتر غروبيوس. وكان له دور كبير في استكمال هذا التصميم بنجاح عام 1975.
ضمّ المجمّع الثقافي عند افتتاحه عام 1981 أول مكتبة وطنية، بالإضافة إلى مسرح لعروض الأداء ومركزاً للمعارض. وقد شهد إطلاق عدد من البرامج الرائدة التي تحتفي بالثقافة الإماراتية والإقليمية، وقدم مجموعة متنوعة من أشكال الفنون لتشجيع التبادل الثقافي مع العديد من ثقافات العالم.
وقد حظي المجمّع الثقافي منذ ذلك الحين بإشادة إقليمية ودولية باعتباره صرحاً عالمياً للثقافة والفنون. كما نال مكانة بارزة كأحد معالم التراث الحديث، وتم تسجيله كأحد مصادر التراث الثقافي الأصيل لأبوظبي.
ظل المجمّع الثقافي منذ نشأته إلى وقت تجديده، وسيظل متسقاً مع تطلعات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومجسداً أحد طموحاته ورؤاه بعيدة المدى لدولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها ومانحاً قيمة للتراث الثقافي والفني الخالد الذي لا يقدر بثمن.